مع كبرِ سنّهِ , قطعةُ سكاكر …
Posted جوان 23, 2008
on:برجفةٍ تعلو أصابعه …
هزّني …
نظرتْ … أشار بيدهِ إلى أذني , قائلاً “عمّو , في شي بأذنك … أسود ! “
ابتسمت , رددت ” هذه سمّاعة , عمّو … “
“شو بتسمع عمّو , راديو؟”
بتفكير قليل , إن أردت شرح الMP3 وعمله وو… لن أنتهي , فاكتفيت بهزّ رأسي …
بعد فترة ليست بالقليلة , عاودَ هزّي … بنظرة من تحت النظارة , “شو عمّو؟”
سألني “وين بنلاقي الألياف ؟الألياف مفيدة , ما؟”
بنظرة شبه متعجبة من السؤال وزمنه “كلّ الفواكه عمو , بتفيد كتير “
عاود الصمت بيننا …
أنا استمع لمسرحية رحبانية فيروزية , والتفاصيل تأخذني …
عاود الهزّ للمرة الثالثة … بلهجة أبديت بها انزعاجي , “خير عمّو !!!”
“والله هالباصات كتير مناح , الله يعطيهون العافية , أنو جابوهون “
“اي والله , الله يعطيهون العافية “
عندما فقد كل أملٍ من امكانية التواصل ما بيننا , انتقل للشخص المقابل , وكان أحد العمّال العائدين من عملهم في إحدى الأبنية الجديدة , مكسوٌ بذرات بيضاء مردّها لطبيعة عمله , واضعاً وجهه في يده ومسنداً يده للمسند الجانبي ومستسلماً لملكوت النوم والتعب …
هزّه بطريقة عنيفة …
“ابني , حطّلك شي شغلة على راسك , عقال – شماغ , مشان تحمي حالك من الشمس ومن الغبرة كمان “
بنظرات نصف مفتوحة والنعاس يتساقط من الأطراف , “كنت حطّ بالشتي , هلأ ما بحط”
“والله مفيدة , بتحطها على وجهك , بتحمي من الغبرة , قاللي دكتور الصدرية , كل مشاكل الصدر من الغبرة “
“حاضر , رح حطّ وحدة “
عندها …
هزّنا نحن الاثنين , وهزّ كيساً يحوي القليل من الحليب …
“شو رح أعمل بهل الحليب؟” ” يا لهذا الجيل , ابن أخي , ما قال أنه مسافر ” ” قضيت النهار كلّه على الطريق على أمل رؤيتهِ “” “لم يقل أنه مسافر ” “سأبيع الحليب” ” بعد الشهادة الجامعية يترفعون عن أعمامهم المو دارسين” ” الله يهديه “
أحسست عندها بمقدار حجمي أمامه …
الرجل العجوز … أحسّ بمقدار إهمال كبير وكبير جداً …
لم يراعوا كبر سنّه , أراد السؤال عن ابن أخ , ولكن ابن الأخ لم يسأل عنه …
يالشبهي به … فعلت ما فعل …
لم اعط العجوز اهتماماً , حاول وحاول , لم يلق مني إلا صدّاً …
أفقت من عذاب وتأنيب ضميري بابتسامته التي تعلو لحيته البيضاء … مقدماً لي قطعةً من السكاكر , وموزعاً قطعاً أخرى للموجودين حولنا …
موقفي , لم ولن أحسد عليه … بقية عمري …
أتساءل , أسأقدم قطعة السكاكر للشاب الذي سيجلس جانبي بعد عقود في ذات الموقف ؟
أنس
اترك تعليقًا