بقليلٍ مِن … تستطيع …

ورَحلَ فجأة ..

Posted on: أوت 28, 2009

  • في أمسية حارّة ورَطِبة ..

الصوت انقطع .. عمّ السكون المقيت المكان .. انسابت الدموع من الأم .. وقف الابن بعيون معلّقةٍ باتجاه الأم دونما أقل بادرة من مشاعر ظاهرة إلا مشاعر الصدمة ..

ظهرت الحيرة على الابن الذي لم يتجاوز الخامسة .. سأل وهو يشدّ طرف ثوب أمه “يعني بابا ما عاد بده يرجع؟ ليش راح ولوين؟”, نظرت الأم لعيون طفلها التي بدأت تتلألأ بالدموع .. واحتضنته وبدأت تبكي بحرقة .. “حبيبي بابا راح عالجنة وحيضلوا ناطرنا هنيك .. هو شايفنا .. ولساته بيحبنا .. بس هيك الله بده” ..

هنا جلس الابن بتراخٍ .. خبأ عيونه بين يديه ورمى بالرجولة المقنعة وراء ظهره وترك لعيونه حرية التعبير عن مقدار الغصّة التي علت حلقه .. “توفي والدي .. ” قالها وهو غير مصدّق .. “ذهب صباحاً لعمله .. لم يعد في المساء .. ” “أصرّ على عودتي من أطراف الأرض في الشمال .. لأكون بجانبه .. لأودعه وأراه للمرة الأخيرة .. ” عاد ودفن وجهه وجلس يبكي ..

  • في ذات الوقت في مكان آخر

كنت أمسح عرق جبيني نتيجة لازدحام المنطقة التي كنت بها .. أتجادل مع صديقي بأمور تتعلق بالعمل .. عندما علا رنين هاتفي المحمول .. كان صوت والدتي يطمئن عن أخباري, استغربت الاتصال في هذا الوقت الغير معتاد واستأذنت من صديقي وابتعدت .. رغم كوني سيء جداً في تمييز الأصوات عبر الهاتف إلا أن نبرة الحزن التي حاولت والدتي بمهارة إخفاءها, لم تنطلي علي ..

سألتها “خير ماما, شوفي؟ شو اللي صاير؟” .. قالت لي “مروان توفّى ..” .. وقفت وحيداً .. في ذلك الشارع .. رغم جميع السيارات التي تمرّ بسرعة والأشخاص الذين يتحدثون بالصوت العالي .. أحسست بالصمت يلفّني .. لم استطع حتى بلع “ريقي” .. وعندما بلعته بدا واضحاً .. حتى خُيّل إلي أن صديقي سمعه ..

“مات؟ يعني توفى؟ إيمت وكيف؟ شو كان معه؟ لساته صغير؟!” سلسلة من الأسئلة التي طرحتها .. ولم تسعفني والدتي في الإجابة .. تركتني .. وحيداً مع صورته في ذاكرتي ..وآلاف الأسئلة التي تدور في ذهني ..

عُدت لصديقي .. أخبرته بأن أحد أقاربنا قد توفّى .. أكملنا الطريق .. لكنني كنت قد خبوت .. والشرود علا ذهني حتى طلبت منه أن أعود للبيت لنكمل الحديث في وقتٍ آخر ..

  • قبل 40 يوماً ..

الازدحام كان خانقاً في خيمة العزاء لقريب وافته المنيّة صباح أحد الأيام .. جلست أرقب الوجوه الناظرة للأرض وأتأملها .. لفتت نظري تلك الابتسامة الواسعة .. هذا ما أبحث عنه في بحر الحزن والكآبة التي تحيط بي, سارعت للجلوس بجانبه .. غمرني بحنانه وجلس يربت على يدي, سألني عن أخباري وكيف أنني لم أره منذ أكثر من 3 سنوات .. شعرت حينها بأنني طفلٌ أغوص بابتسامته أكثر وأكثر..
تحدثنا عن ابنه في الغربة .. عن أحوال دراسته وكيف انه سيعود في إجازة سريعة ليرى والده .. وكيف كان الأب سعيداً لرؤيته بعد غياب قارب ال4 سنوات ..
أحاديث كثيرة .. اضطر بعدها للاستئذان مني ليذهب لعمله .. ودعنّي بحرارة .. ودعا الله لي بالتوفيق .. ومن ثمّ تركني بابتسامة أكثر ..

كنت سعيداً جداً عندها برؤيته, كان من الأشخاص المتفائلين جداً .. الذين تُسعد بصحبتهم فتنسيك كل همومك ..

  • الآن ..

وأنا اكتب الأحداث .. لا يرتسم في مخيلتي منه, سوى ابتسامته, طيبته وذكراه العطرة .. كان من الأشخاص الذين تركوا أثراً فييّ أنا .. ربما الصدفة التي جعلتني أراه قبل وفاته ب40 يوماً .. وربما القدر .. وربما .. لا أدري ..

ترعبني فكرة الرحيل فجأة .. أن تذهب دون أن تودّع من أحببت .. دون أن تحقق حلمك .. دون أن تكون أن اعتذرت ممن أخطأت بحقهم .. مجرد التفكير بهذا الأمر يجعلني اغرق في التفكير .. ماذا لو؟

لوالدي مقولةٌ سمعتها أول مرة حينما توفي صديق عمره بين يديه .. “إن عُشتَ قليلاً فُجعتَ بنفسك .. وإن عُشتَ كثيراً فجعتَ بِأحبابك ..”

أتمنى .. عندما أفارق هذه الأرض .. للسماء .. أن أكون قد حققت حلمي .. بأن أترك أثراً طيباً .. في الأشخاص .. أن أكون قد غيرّت فيمن تعرفت عليهم ..

مروان الآن في السماء .. ونحن في الأرض ..

أدعوا الله له بالمغفرة .. والرحمة .. رحمك الله ..

أنس

5 تعليقات إلى "ورَحلَ فجأة .."

دائماً أتمنى ، أن أموت قبل الجميع .. لكي لا أحزن على أحد ،، تؤلمني فكرة حزنهم علي .. ولكني أشعر أن حزني سيكون أكبر من وطن الحزن ذاته !!

رحم الله مروان ، ورحمنا أجمعين …

دمت مطمئناً ، أخي =)

رحمة الله عليه …..

بعرف أني متأخر بس ما فضيت أبداً أقرأ لهلأ …

صعب الفراق بكل أحواله … موت، سفر، وأي طريقة أخرى …..
قلبي معك أنس … الله يصبرك ويصبر أهله ويجعل مثواه الجنة ……….

كلماتك حزينة ها المرة بس حتى الحزن فيها حلو
الرحيل فجأة …..فكرة ما بتغيب عن بالي حاسة اني بدي
احكي شي بس مو قادرة هلق عبر عنو الفراق صعب كتير
الله يرحم مروان ويصبر اهلو
لح عبر أنس بدي قلك إنك حطيت إيدك عا الجرح
الله يخلي كل حبابك

لا أعرف لماذا أشعر أننا لا نبكي على المفقود بقدر ما نبكي على أنفسنا ..
لاننا فقدناه … فقدنا روحه معنا ..
احيانا نبكي أنفسنا اكثر من بكاءنا عليه .. لان فكرة الرحيل تؤلمنا .. تحرمنا لذة الأبدية التي يتمناها البشر ..

أتمنى لك أنس ان تحقق حلمك وان تترك الأثر الذي تريده .. وانت من الآن تترك الأثر فينا جميعاً…

شكراً لكلماتك …شكراً لحزنك …

لا أدري من اين ابتدأ , هل أُعزيك على مروان “رحمه الله ” , أم انحني احتراما ً لكلماتك , وعباراتك التي جعلتني اتصور حالك في تلك اللحظة التي أتاك فيها خبر مروان

رحم الله مروان , وأبقاك الله سالما لمت تحب , وأبقاهم الله لك سالمين

لا مست كلماتك مشاعري … فشكرا لك

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

للإنسان الذي يمرّ من هنا … عبقك … يبقى …

الصفحات

انستغراميات ..

لم يتم العثور على صور على إنستغرام.

أعجبكم عبق ..

مرّ من هنا

  • 59٬392 إنسان ...

في ذمّة التاريخ … ستلحظ …

أوت 2009
د ن ث ع خ ج س
 1
2345678
9101112131415
16171819202122
23242526272829
3031  
%d مدونون معجبون بهذه: