بقليلٍ مِن … تستطيع …

Posts Tagged ‘خيانة


رفع قبعته بحركة دائرية ليزيل تدفقات الغبار المتناثر … من الحضور الكثيف , من بشر قدموا من الأنحاء المتفرقة للقرية الصغيرة …

ومن ثم بدا منه رأسه عاكساً بطريقة مسرحية آثار امتعاض …

ابن القرية الآن , لم يعد يستطيع تحمّل الغبار …
ابن القرية , أصبح يمتعض من أقربائه , أخوانه وأصدقاءه (القرويين) …

مدّت رأسها … لتنظر للقادم من بلاد ما وراء البحار …
وعدٌ قديم … عقدٌ مضى تحت تلك الشجرة … شجرة الجوز … التي كانت تخفيهم عن عيون الأقارب الباحثة , وعن عيون الغرباء أيضاً …
حملت تلك الشجرة ذكرياتهم في طيّاتها وفي كل ثمرة جوزٍ كانت … لهم قصة …

يومٌ ماطر … بشدة …

الرؤوس منحنية بين الأكتاف , تحاول حماية الوجه من سيول السماء …

لمسات باردة تخترق العظام … ولكن الرعشة أكبر وأدفء …

همس لها من بين القطرات السابقة واللاحقة … “مسافرٌ أنا” “لأجلنا , لأجل حبنا الذي لن يعيش (إن لم) أسافر”
لم تترك لنفسها أن تؤخذ برد الفعل المتعارف عليه في هذا الموقف (بأن تترك نفسها فريسة الأرض وأن تجهش بكاءاً ومن ثم تحاول ثنيه عن مراده , لأنه سيتركها لعيون الأقارب وشفاه الغرباء … ومادة دسمة لحديث ما بعد المساء”
قالت بصوت شبه حزين ” الله معك … وناطرتك …”

افترقا … تحت المطر …

حاولت أن تلفت نظره ولكن لا فائدة , نظره كان في السماء …
دخان يتصاعد منه؟
أنه السيجار …

ابن القرية أصبح لا يدخن إلا سيجاراً …

وصل لسمعها أحدهم يقول “أيه , الله يرحم أيام الأرض وأيام الشغل … لما كان ابن القرية ما يترك (الكاروكة) من ايدو , صار صاحب سيجار”
أحد آخر “قرّب يوم القيامة , قرّب”

رغم أن الصلة غير واضحة بين السيجار ويوم القيامة ,إلا أن البسطاء يربطون كل حدث (خارق للطبيعة بنظرهم) بالقيامة وقربها …

بدأت الأيدي تصافح … لم تتلاقى الأوجه في مراسم الاحتفال بالعودة إلا قليلاً … لسبب أن ابن القرية لم يعتاد (هناك) على هذه المراسم …
وصل الدور لها …
برودة المصافحة مع برودة يده , ماثلت البرودة في يوم من عقود مضت … لكن الرعشة والدفء لم يكونا حاضرين في المصافحة …
لم تتلاقى عينه مع عينها المثبتة على وجهه … الذي كان قد تغير قليلاً …
فخط الموضة الواضح على جوانب ذقنه …
شعره الأسود … بطريقة غربية …
سلسال من الذهب يزين عنقه …

اوه على ابن القرية …

توجهت الأنظار فجأة لرائحة بدأت تنتشر … بسرعة … عطر نسائي …
وصوت رفيع … و…

ساق …
من ثم أنثى في آخر الساق …

صرخة باسم ابن القرية … وتذمر لم تكلف نفسها إخفاءه …
“ما خلصت حبيبي … بدنا نرجع”

تعالى اللغط والأصوات المتداخلة من الحضور …
“ابن القرية !!!!” “قرّب يوم القيامة , قرّب …”

سارعت للملمة ما بقي من كرامتها التي هدرت في أبشع طريقة …
“الخائن ” صرخت روحها من الداخل …
لكم تمنت أن تصرخ به .. أن تجعله يعاني القليل من جروح قلبها , كرامتها وإنسانيتها التي أبقتها على الوعد والعهد بضعاً من عقد …

ابتسمت وفقط …
بهدوء قدومها , انسحبت …
لتشكي ألمها للكائن الوحيد الذي سيتفهم ماكان ويكون … وينصح بما سيكون …
إلى الشجرة توجهت …

من وحي كان غير شكل الزيتون … لسيدتي فيروز …

” كان غير شكل الزيتون كان غير شكل الصابون
و حتى إنتا يا حبيبي مش كاين هيك تكون
كان غير شكل الليمون كان غير شكل اليانسون
و كاين إنتا يا حبيبي مش كاين هيك تكون
يا ضيعانن راحوا شو ما صار لكن راحوا مش سامع غنية راحوا؟
كان أوسع هالصالون كان أشرح هالبلكون
و طبعاً أنتا يا حبيبي حبك كان قد الكون
شو كان أهدى الكميون طالع دوغري و موزون
و حتى عيونك يا حبيبي كان عندك غير عيون
يا ضيعانن راحوا شو ما صار لكن راحوا مش سامع غنية راحوا؟
كان يبقى الحب جنون يخلص بحرف النون
و مش كل إنساني تمرق تفرق و تصير تمون
كاين رق و حنون أو مايل عالغصون
و إذا هلق حبك غير ريتو عمرو ما يكون
ريتو عمرو ما يكون ريتو عمرو ما يكون “

أنس

بصمتٍ ... أكملت ...

لصديقةٍ … بعيدة بمقياس الأميال …

تعلّقت بيدّ الحبّ … مدّ يدّه مصافحاً … لم تترك اليد … بقيت وبقيت …

بقيت تستقي …

كنت من بعيد أرقب … تأتيني تارةً باسمةً وتارةً باكيةً … كنت في كلِّ دورةٍ من زمنٍ يمضي … أعيد وقوفي ذات الموقف …

لك كما عليك … ببساطة الكلمات … وتعقيد المسئوليات … هذا هو … صاحب الكفّ المُصافِحة …

لذا , في الأقمار العديدة التي مرّت على أثرهم … على كلماتهم … وعلى حبّهم الصغير …

كان هناك وعودٌ ووعود … وكمٌ من وعودْ …

ترسم مستقبلاً … تبني بيتاً … وتُنشأ أولاداً وبنات … يكبرون ويكبرون … يتزوجون …

هاهما يجلسان , كلٌّ يهتزُّ أمام نارٍ متراقصة … بتجاعيد تعلو الجبين …وأطفال يملئون الأنحاء , ضحكات وبكاء …

وعودٌ بنكهة الورد …

الشباب مجبولون على الخيانة … بهذا أعادت فتح الحديث …

بنظرة من طرفي واستهجان … ولكن فضلت سماع ما تبقى من القصة …

أكلمت …

ضغوط وتعرفها … احتملت لأجله هو …

أوامر … واتبعتها لأجله هو …

غصّات … تجاوزتها لأجله هو …

وهوَ؟

بخبر أتاني , مع امرأة أخرى يمارس عشقه … يناديها ب”حبيبتي” … يُعيد على مسامعها ذات الكلام ويُقرؤها ذات القصائد … بعد أن كان يقول متسلحاً بالرب أنها نزلت لي … ولي فقط …

عندها وفقط عندها … قررت أن أقف …

أن أكون شُجاعةً وأستحق احترام ذاتي … للمرة الأولى منذ زمن الحب …

قررت أن أمضي … ألّا أنظر للخلف … فما بقي في الخلف سيبقى هناك …

مكاني , أراه … سأمضي …

عندها … اكتفيت بابتسامة … تربيتةٌ على كتف … وكلمةُ تشجيعٍ صغيرة …


بعد دقائق ذهابها …

تطلعتْ … وقلت : يالصدفة محضة … أغنيتها التي ما فتئت ترددها : للعظيمة فيروز :

بديت القصه تحت الشتي
باول شتي حبو بعضون
و خلصت القصه بتاني شتي
تحت الشتي تركو بعضون ..

قدرٌ ساخر …

القصة في معظم تفاصيلها جدّ حقيقية …

وهذا ما استُقيَ من لوحة جدارية … قديمة …

في قبوٍ … لم أعد أعرف إليه طريقاً …


أنس

1-6-2008

الأوسمة: , ,

للإنسان الذي يمرّ من هنا … عبقك … يبقى …

الصفحات

انستغراميات ..

لم يتم العثور على صور على إنستغرام.

مرّ من هنا

  • 59٬883 إنسان ...

في ذمّة التاريخ … ستلحظ …

ماي 2024
د ن ث ع خ ج س
 1234
567891011
12131415161718
19202122232425
262728293031